بسم الله الرحمن الرحيم
في الشريعة الإسلامية : إفشاء السلام (صيغه ـ آدابه ـ فوائده).
لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه، فكان أول شيء تكلم به أن قال : (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه ابن ماجة.
وأفشى : بمعنى أذاعَ ونشرَ.
والسلامُ : السلامةُ ، ومنهُ قيلَ للجنةِ : "دارُ السلامِ"؛ لأنها دارُ السّلامةِ منْ الآفَاتِ، ومعنى السلامُ : دعاءٌ للإنسانِ بأنْ يسَلَمَ من الآفاتِ في دينِهِ ونفْسِه، والمراد بإفشاءُ السلامِ : نشرُه بينَ الناسِ ليحيوا سنتهُ عليه الصلاة والسلام. أخرجَ البخاريُّ في الأدبِ المفردِ : (إذا سلَّمتَ فأسْمِعْ، فإنَّها تحيةٌ من عندِ اللهِ).
قالَ النووي : "أقلُّهُ أن يرفَعَ صوتَهُ بحيثُ يَسْمَعُهُ المسلَّمُ عليهِ، فإن لم يسْمَعْهُ لم يكنْ آتياً بالسُّنَّةِ".

■ وللسلامِ صيغٌ، منها :
السَّلَامُ عَلَيْكَ، وسلامٌ عليكمْ، هذا إذاَ كانَ السلامُ لمنْ لقيكَ من المسلمينَ، فإن كانَ المرءُ مسلِّماً على الأمواتِ فليقلْ : (السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ)، فإذا كانَ السلامُ موجهاً إلى من يُرجىَ إسلامهُ، فإنَّ صيغتهُ هي : (سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى).

■ واعلموا :
أنَّ السلامَ هو تحيَتُكُمْ في الدنياَ والآخرةِ، والسلامُ تحيةُ أهلِ الجنةِ قال تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) (يونس : 10)، وهو أيضًا تحيةُ اللهِ إليهمْ كما قالَ سبحانهُ : (سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ) (يس : 58).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ : اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا : السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ).
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) رواه ابن ماجة.
فلتفخروا أيهاَ المسلمونَ بهذهِ الشعيرةِ العظيمةِ، ولتَعْتَزُوا بهاَ، فإنَّ اليهودَ يَحْسُدُوُنَكُمْ عليها فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ) رواه ابن ماجة.

■ وللسلامِ آدابٌ، منها :
البداءةُ بالسلامِ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ) رواه أبو داود. وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) البخاري ومسلم.
ومن آدابِ السلامِ : ردُّ التحيةِ بمثلهاَ أو بأحسنِ منهاَ مقابلةً للإحسانِ بأفضلِ منهُ. قالَ سبحانهُ : (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (النساء : 86).
ومن آداب السلام أيضاً، أن يكونَ بأحسنِ الألفاظِ وأَكْمَلِهاَ. فعن جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : (رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ. لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ. قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قُلْتُ : عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ : لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكَ) رواه أبو داود.
ومنها ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى والْكَثِيرِ) وفي رواية أخرى : (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) رواه البخاري. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ) رواه البخاري ومسلم.
ومن آدابِ السلامِ أيضاً : أن يُسلِّمَ المرءُ إذا حضرَ المجلسَ، فإذاَ قامَ سلََّم مرةً أخرى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ) رواه الترمذي.
ومن آدابِ السلامِ أيضاً، أنهُ إذا حالَ بين الرجلِ وأخيهِ حائلٌ ثم لقيهُ فليسلمْ عليهِ أيضاً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا) رواه أبو داود.
ومن آدابِ السلامِ أيضاً : المصافحةُ : فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.
ومن آدابِ السلامِ : تكرارُ السلامِ ثلاثاً، فعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا).

■ وللسلامِ فوائدُ عظيمةٌ منهاَ :
♦ أولاً : حلولُ البركةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ) رواه الترمذي.
♦ ثانياً : الحصولُ على الحسناتِ التي تُثَّقِلُ ميزانَ العبدِ يومَ القيامةِ، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ : عِشْرُونَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ ثَلَاثُونَ) رواه أبو داود.

ومن فوائدِ السلامِ : نشرُ الودِ والصفاءِ بين المسلمينَ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ عمرِ بن الخطابِ قال َ: ثلاثٌ يُصَفِيِنَ لكَ ودَ أخيكَ : (أنْ تُسَّلِمَ عليهِ إذا لَقِيِتَهُ، وتُوَسِّعَ لَهُ فيِ الْمَجْلِسِ ، وتدعوهُ بأحبِ أسمائهِ إليهِ).
ومِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا لِلْمَعْرِفَةِ فقط، ففي الحديثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا لِلْمَعْرِفَةِ) رواهُ أحمدُ، وهذا خلافُ السنةِ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حثَ على إفشاءِ السلامِ على من عرفتَ ومنْ لم تعرفْ.