بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم وخصائص ومكانة الاجتماع في الشريعة الإسلامية.
■ الاجتماع لغة : قال ابن فارس : الجيم والميم والعين، أصل واحد يدل على تضام الشيء، واجتمع القوم : انضموا، وهو ضد تفرقوا.
■ الاجتماع اصطلاحا : لا يختلف معنى الاجتماع في الشرع عن المعنى الذي يفيده في أصل اللغة، وهو أن يلتقي المسلمون وينظم بعضهم إلى بعض ولا يتفرقوا، أما الأمر الذي يجتمعون حوله فهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الاجتماعُ يَعْمَلُ عَلَى تَحْقِيقِ وَعْيِ الأُمَّةِ بِفَهْمِ ذَاتِهَا فَهْمًا صَحِيحاً، مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى تَوْحِيدِ أَنْمَاطِ التَّفْكِيرِ وَالسُّلُوكِ، وَأَسَالِيبِ البَحْثِ وَالنَّظَرِ عَلَى أَسَاسٍ إِسْلامِيٍّ صَحِيحٍ وَيُسَاعِدُ المُجْتَمَعَ الإِسْلامِيَّ عَلَى مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا : فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) رواه مسلم.
قَالَ القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) : إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالأُلْفَةِ وَيَنْهَى عَنِ الفُرْقَةِ، لأَنَّ الفُرْقَةَ هَلَكَةٌ وَالجَمَاعَةَ نَجَاةٌ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ : أَنَّ حَبْلَ اللهِ هُوَ الجَمَاعَةُ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ : أَمَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِالجَمَاعَةِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الفُرْقَةِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ المُتَعَدِّدَةُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالأَمْرِ بِالاجْتِمَاعِ وَالائْتِلافِ، وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لَهُمْ (أَيْ لِلمُسْلِمِينَ) العِصْمَةَ مِنَ الخَطَأِ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ (وَاجْتِمَاعِهِمْ)، وَخِيفَ عَلَيْهِمُ (الخَطَأُ) عِنْدَ الافْتِرَاقِ وَالاخْتِلافِ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ فَافْتَرَقُوا عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ إِلَى الجَنَّةِ وَمُسَلَّمَةٌ مِنَ النَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ.

وفيِ الاجتماعِ تَحْقِيقُ الأُلْفَةِ وَالعَدَالَةِ وَالمَحَبَّةِ وَكُلِّ العَوَامِلِ المُؤَدِّيَةِ إِلَى التَّرَابُطِ فِي المُجْتَمَعِ الإِسْلامِيِّ : عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً) : (يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَيَأْكُلُ شَدِيدَكُمْ ضَعِيفَكُمْ، حَتَّى جَاءَ اللهُ بِالإِسْلامِ، فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ، وَجَمَعَ جَمْعَكُمْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَاناً).

وفيِ الاجتماعِ القَضَاءُ عَلَى العَصَبِيَّةِ القَبَلِيَّةِ، وَعَدُّ القَاعِدَةِ الدِّينِيَّةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ أَسَاساً يَتَّسِعُ لِجَمِيعِ الأُمَمِ وَالشُّعُوبِ قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات : 13) وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : (لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) رواه البخاري.
وَيُؤَدِّي الاجْتِمَاعُ إِلَى تَحْقِيقُ الأُلْفَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَانْتِشَارِ التَّعَارُفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ المَوَدَّةُ وَيَسُودُ الإِخَاءُ وَيَعُمُّ التَّعَاوُنَ : عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ) رواه مسلم.
تَتَحَقَّقُ البَرَكَةُ فِي الاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ البِرِّ : عنْ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا : (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ ؟ قَالَ : فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ) رواه أَبُو دَاوُد.
الاجْتِمَاعُ يُحَقِّقُ مَطْلَباً إِسْلامِيًّا أَصِيلاً، حَثَّ عَلَيْهِ الإِسْلامُ فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ، وَصَلاةِ الجَمَاعَةِ، وَأَدَاءِ الحَجِّ : عنْ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَيِ هُرَيْرَةَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ : (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) رواه مسلم .. وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) رواه البخاري. عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ : قَالَ عَبْدُاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ : (لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلاةِ إِلاَّ مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ وَإِنْ كَانَ المَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلاةَ، وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى الصَّلاةَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ).
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى الجَمَاعَةِ (فِي الفَجْرِ وَالعِشَاءِ خَاصَّةً) : (انْتِظَامُ الأُلْفَةِ بَيْنَ المُتَجَاوِرِينَ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَلِيَخْتِمُوا النَّهَارَ بِالاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَفْتَتِحُوهُ كَذَلِكَ).
فِي الاجْتِمَاعِ تَقْوِيَةٌ لِجَانِبِ المُسْلِمِينَ وَرَفْعُ رُوحِهِمْ المَعْنَوِيَّةِ انْطِلاقاً مِنَ الاعْتِقَادِ بِأَنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَمَنْ كَانَتْ يَدُ اللهِ مَعَهُ كَانَ وَاثِقاً مِنْ نَصْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ) رواه الترمذي.

الاجْتِمَاعُ قُوَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لِلفَرْدِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ، بَلْ وَلِكُلِّ العَالَمِ الإِسْلامِيِّ : عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ) رواه مسلم.
الاجْتِمَاعُ يُخِيفُ الأَعْدَاءَ وَيُلْقِي الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَجْعَلُهُمْ يَخْشَوْنَ شَوْكَةَ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ فِي الاجْتِمَاعِ عِزَّةٌ لِلمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَصدقَ الشاعرُ إذْ يقولُ :
تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّراً ● ● ● وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ أَفْرَاداً

إِنَّ تَوْحِيدَ الصُّفُوفِ وَاجْتِمَاعَ الكَلِمَةِ هُمَا الدَّعَامَةُ الوَطِيدَةُ لِبَقَاءِ الأُمَّةِ، وَدَوَامِ دَوْلَتِهَا، وَنَجَاحِ رِسَالَتِهَا : فعنْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ : (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ .. فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ .. قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ : نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. فَقُلْتُ : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم.

وَفِي الاجْتِمَاعِ دَوَاءٌ نَاجِعٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ كَالانْطِوَاءِ وَالقَلَقِ، إِذْ إِنَّ وُجُودَ المَرْءِ مَعَ الآخَرِينَ يَدْفَعُ عَنْهُ دَاءَ الانْطِوَاءِ وَيُذْهِبُ القَلَقَ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا عَلِمَ أَنَّ إِخْوَانَهُ لَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْهُ وَقْتَ الشِّدَّةِ، فَالمَرْءُ قَلِيلٌ بِنَفْسِهِ كَثِيرٌ بِإِخْوَانِهِ. وَفِي الاجْتِمَاعِ طَرْدٌ لِلشَّيْطَانِ وَإِغَاظَةٌ لَهُ لأَنَّهُ يَهُمُّ بِالوَاحِدِ وَالاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلاثَةً (وَهُوَ أَقَلُّ الجَمْعِ) لَمْ يَهُمَّ بِهِمُ الشَّيْطاَنَ، كَمَا أَخْبَرَ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ) رواه الترمذي.

وَأَخِيراً : فَإِنَّ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الذِّكْرِ وَالاجْتِمَاعِ بِهِمْ - وَهُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ - غَالِباً مَا يَكُونُ سَبَباً لِمَغْفِرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرِضْوَانِهِ.